حادي عشر- : الصورة الفنية الكلية والصورة الفنية الجزئية


حادي عشر- : الصورة الفنية الكلية والصورة الفنية الجزئية
تأتي الصورة في الشعر على شكلين : الصورة الجزئية والصورة الكلية . ونعني بالصورة الجزئية تلك التي تنطوي غالباَ على مشهد واحد ومناخ واحد ، ولا تقاس هذه الصورة بقلة كلماتها ، فقد تمتد لأكثر من سطر شعري ، وقد تكون من ثلاث كلمات . أما الصورة الكلية فتعني الصورة التي تضم عددا من الصور الجزئية التي تكونها . وهي يمكن أن تمتد بامتداد النص ، كمـا يمكن للنص أن يتكون من مجموعة من الصور الكلية .
ولعل تسميتنا للشكلين المذكورين نابعة من موقع الصورة ضمن النص ومن طبيعة اللغة ذاتها .فقولنا : صورة جزئية مأخوذه من الجزء ، والجزء يكون الكل ، كما أن هذا الشكل مكون من مجموعة من الكلمات ، وقولنا : صورة كلية مأخوذه من الكل الذي تكونه أكث من صورة .
ومن خلال ملاحظة دقيقة للصورتين الجزئية والكلية يمكن ملاحظة ما يلي :
-        الصورة الجزئية تقدم حالة واحدة في مشهد واحد ، مكون من شعور واحد . أما الصورة الكلية فتحتوي أكثر من مشهد ، وأكثر من حالة ، لأنها مجموعة من الصور الجزئية المندمجة .
-        سمة الصورة الجزئية التكثيف ، وتجاوز الزوائد ، ولهذا فهي تبدو للوهلة الأولى غامضة ، صعبة المنال ، بينما تكون الصوره الكلية أكثر تفصيلا ووضوحاً ، والوضوح هنا بمعنى وضوح الحالة الشعرية وليست بمعنى المباشرة ، لأنها مكونة من مجموعة من الصور الجزئية فتداخل هذه الصور فيما بينها يؤدي إلى اكتمال الحدث ووضوح التجربة.
-        لا تحتاج الصورة الجزئية إلى جهد المتلقي كالصورة الكلية ، فهي على الرغم من غموضها في بداية التلقي ، فإنه من السهل إعادة تشكيلها ، لأنها تتمثل بمشهد واحد وحالة واحدة . بينما تحتاج الصورة الكلية إلى جهد كبير من المتلقي ليعيد تشكيلها ، ويتمثل مناخها ، ويتفاعل مع حدثها ، ولا يمكن لها أن تتكامل إلا إذا كان المتلقي جزءاً منها ، فهي تحتاج إلى خياله وحسه ، ليوحد بين الصور الجزئية ويعيش بعدها مع عطائها المبدع .
-        تحتاج الصورة الكلية إلى الوحدة العضوية ، ومن دونها يضطرب توازنها . فهي كل مكون من عناصر مختلفة ومتداخلة ، ولا يمكن أن يتم توحيد هذه العناصر إلا ضمن الوحدة العضوية بشروطها الإبداعية المتعددة .
-        الصورة الكلية تعد أيسر مدخلاً لدراسة الشعر من الصوره الجزئية . ماكتمال الحـدث وتكامل عناصر التجربة ،وإنسجام المناخ لا يتم إلا عبر الصورة الكلية ، ودراسة التجربة الشعرية لا تتم إلا إذا كانت متكاملة .
-        وفي كل الأحوال ، فالصورة الجزئية تؤدي إلى الصورة الكلية ، التي بدورها تؤدي إلى النص الشعري . ودراسة النص الشعري تستوجب دراسة الصورة الكلية ، وهذه بدورها تفترض أن تدرس الصورة الجزئية . وفي النتيجة فالعملية واحدة ، والتجربة الشعرية لاتجزأ إلا على سبيل الدراسة التحليلية .
-        هل تصلح دراسة الصورة الفنية مدخلا لدراسة الشعر ؟
يمكن القول فيهذا المجال ، وبالإرتكاز على ماسبق ذكره : بما أن الصورة تتكون من اتحاد العناصر الموضوعية بالعناصر الذاتية ، فإن دراسة الصور الجزئية تؤدي إلى دراسة الصورة الكلية ومن ثم دراسة النص . ودراسة الشعر – من خلال دراسة الصورة – تتميز بالدقة والعمق والشمولية . فلو أردنـا مثلاً أن ندرس الرمز في الشعر ، فإن دراسته من خلال الصورة تفرض علـى الدارس أن يتناوله ضمن علاقته بالعناصرالأخرى وضمن السياق العام ، لأن طبيعة الصورة ودراستها تفترض النظر إلى عناصرها مجتمعة ، ومراعاة أثر كل عنصر في الآخر .
وبمعنى آخر : إن دراسة الرمزأو الأسطورة أو حركة الواقع الإجتماعي من خلال الصورة يتبغي دراستها بعلاقتها ضمن الصورة الجزئية وضمن السياق العام للنص . أما حين يدرس الرمز أو غيره من العناصر خارج الصورة فيمكن أن يدفع الدارس إلى تناوله بمعزل عن بقية عناصر النص ، وبهذا يفقده كثيراً من ميزاته ، ومن إيحاءاته . ولعل أهم مأخذ على الدراسات النقـدية التي تتناول الشعر دون الإعتماد على الصورة كمدخل إلى دراسة الشعر ، فصلها لعناصر القصيدة ، ودراسـة كل عنصر على حده . ولهذا فنحن نقرأ اليوم عناوين دراسات ورسائل جامعية مثل : المضمون الإنساني في الشعر العربي المعاصر والإلتزام في الشعر العربي ،وغير ذلك ، إن مثل تلك الدراسات يغفل حقيقة مهمة لا يمكن دراسة الشعر المعاصر دونها وهي : تفاعل عناصر النص فيما بينها ، وعن طريق هذا التفاعل يتكون المناخ العام وتبدو الأبعاد ويدرس النص ، لأننا لا ننتظر من الشعر أن يقدم فتحاً جديداً في الفكر دون تفاعله مع العناصرالأخرى . فلو افترضنا أن الفكرة المطروحة في نص ما متداولة وعادية ، فإنها حين تدرس ، أو ينظر إليها بتفاعلها مع العناصر الأخرى المكونة للنص قد تكون كشفاً جديداً وعطاءاً مميزاً ، وهنا تكمن إبداعية الشعر ، ولعل هذا ماتحاول دراسة الصورة الفنية أن تحققه للنص الشعري من خلال طرحها لطريقة دقيقة في الدراسة .
مما سبق نلاحظ مايلي :
1-      إن دراسة الصورة تعني دراسة عناصرها ، وعناصر الصورة هي عناصر الشعر ودراستها تعني دراسته .
2-      إن دراسة الصورة تترك مجالاً واسعاً لدراسة كل عنصر من عناصرها وحده ، ثم تنتقل - بعد ذلك - إلى دراسـة تفاعل تلك العناصر فيما بينها ، ودراسة القصيدة تأخذ بعدها الحقيقي في اكتشاف كليتها ، ويتم هذاالاكتشاف من خلال النظر إلى العناصر مجتمعة .

4 commentaires:

  1. جزاك الله خيرا على المجهود

    RépondreSupprimer
  2. مرحبا،
    هل تمت طباعة هذه الدراسة أو نشرها بنسخة PDF?
    تبدو ملهمة ومفيدة!

    RépondreSupprimer
    Réponses
    1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

      Supprimer
  3. اريد كتب حول هذه الصور من فضلكم

    RépondreSupprimer