خامساً - : قيمة التراجيدي


خامساً - : قيمة التراجيدي

-     التراجيديا ، كما أكّد " أرسطو " سابقاً ، هي كلُّ ما يثير فينا الشـفقة والحزن 0 وقد اعتبر ، حينها ، أن المسرحية التراجيدية تشكّل ضرورة هامة للناس ؛ لأنها تطهّر الكاتب حين يبدعها ، والمتلقي حين يشاهدها ، أو يتلقاها بصيغة معينة ، وبخاصة إذا تقاطعت مع جوانب من مشكلاته المكبوتة 0 

و" التراجيدي " مصطلح جمالي مبنيّ - من حيث المفهوم المجرّد - على كلّ ما له علاقة بالمأساة 0 ويقابله المأساوي ، أو المأسوي 0 وهو يشكّل ، بعد تحوّله من المفهوم إلى القيمة ، أحدَ الموضوعات الأثيرية التي تستهوي المبدعين 0 لذلك فالتراجيدي يعتبر من أبرز موضوعات الإبداع الأساسية إلى جانب الجميل والقبيح والكوميدي والجليل 0
  وللحضور التراجيدي المميّز في العمل الفني أسباب كثيرة ، أبرزها اثنان : يتمثّل الأول في موت الجميل الذي يولِّد ، غالباً ، شعوراً مأساويّاً بمستوى معيّن لدى المبدع الذي يجسّده في عمله الفني تعبيراً أو تصويراً 0 ويتمثّل السبب الثاني في عدم الانسجام بين " المَثَل الأعلى " الذي يرغب الإنسـان في تحقيقه ، وبين محيطه الاجتماعي والثقافي 0 أي الشعور الذي يتولّد لدى المبدع حين تُقيّدُ طموحاته ، وآماله لأسباب معينة ، أو تنكسر 0 وهذا يولّد غالباً إحساساً عميقاً بالحزن ، أو بخيبة الأمل 0
  لذلك فالتراجيدي ، في الفن ، قيمة جمالية تعني التعبير عن المأساة بسبب انعكاس حـدث معيّن على المبـدع يُجسّـده عادة عبر الصـورة الفنية ، أو بوسائل أخرى 0
  و" علم الجمال " يتناول التراجيدي بوصفه مفهوماً جمالياً حُوِّل إلى قيمة في العمل الإبداعي 0 وهو لذلك يدرس التراجيدي في الفن عبر مستويين :
  أ -: قيمة التراجيدي التي تحوّلت من الفكرة المجرّدة إلى الإحساس الذاتي المصاغ صياغة فنية ، وملامحها ، وعلاقتها بالقيم الأخرى من حيث المساحة والمجاورة والبنية ونمط التفاعل 0
  ب -: الشكل الفني الذي جسّد المبدعُ موضوعَه فيه ، ومدى انعكاس المحتوى التراجيدي وتغلغله ضمن هذا الشكل الفني عبـر الموسيقى والإيقاع ، والمفردة ، والصــورة الفنية ، والمنـاخ 0 فإذا حدث مثلُ هذا التعالق فغالباً ما يكون المبدع موفّقاً 0 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire